أخر الاخبار

الخميس، 21 مارس 2013

الــكذب الــحلال


الــكذب الــحلال 

وصلتني أكثر من مرة قصة غريبة يسردها أحد الدعاة الذين يكثرون هذه السنوات، حتى أصبحت لهم تصنيفاتهم التي تشبه درجات الأندية الرياضية وفق مداخيلهم المالية ونجوميتهم وسعة انتشارهم، وقد تفاديت مراراً الكتابة عن هذه القصة ظناً مني أنها مجرد هفوة داعية ساذجة، حتى بدأت أسمعها تتكرر على لسان أكثر من داعية. تقول القصة التي توجها الداعية من على منبره بنداء «يا شباب الأمة» اسمعوا هذه القصة: لقد عزمت الحكومة على أن تشق طريقاً يمر من مدينة كذا إلى مدينة كذا، ويمر بالقرى الفلانية، وأخذ يعدد القرى في توصيف دقيق وكأنه المقاول الذي شق الطريق. المهم أن المقاولين اكتشفوا أن هذا الطريق يمر بمقبرة قديمة جداً، وآخر ميت دفن فيها كان من ثلاثين سنة، وقد استطاعت الوزارة المعنية بشق الطرق الحصول على إذن من هيئة كبار العلماء بنقل هذه المقبرة إلى مكان آخر كي تتحقق الفائدة للناس من شق هذا الطريق. حتى هنا والمفاجأة لم تحصل بعد، لكن تالياً فوجئ الناس الذين ينقلون الرفات التي كانت مجرد بقايا العظام بجثة شاب توفي منذ ثلاثين عاماً لم يمسها الدود كاملة. وجدت كما دفنت منذ يومها الأول، وزيادة عليها تفوح منها رائحة طيبة كالمسك، وقد كان أهل القرية يعرفون هذا الشاب، لكنه احتفظ بعنصر المفاجأة حتى آخر القصة، فحملوه لوالده الباقي على قيد الحياة، ففرح به ولا ندري ما الذي أفرح أباه حتى أنه بكى من شدة الفرح حين رأى جثة ابنه، لكنه على حد زعم الداعية فرح بأن الدود لم يأكل ابنه، وحين سألوه عن السر، اسمعوا يا شباب الأمة قال والده إنه كان يداوم على الصلاة ولا يفوّت فرضاً. لا أريد أن أذكركم بأن هذه المكرمات التي لم نسمع أنها حدثت لأفضل البشر محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا صحابته الكرام (رضي الله عنهم)، قد سمعنا بها حدثت في روايات المجاهدين العرب في حرب أفغانستان، وسأترك لكم تقليبها على الوجه الذي تريدون، لأنني سأعود منها إلى حكاية مشابهة نعرف تاريخها جيداً، يوم وقف داعية شهير على منبر جامع كبير في بداية الثورة السورية يحلف أيماناً مغلظة في رواية عن ثقات ممن حدثوه بأنهم رأوا خيولاً بيضاء فوقها رجال بيض يحاربون مع الثوار في سورية يتعقبهم الجيش السوري فلا يجدون لهم أثراً، ثم يقول الداعية وقد تهدج صوته: «إنهم الملائكة يحاربون مع الثوار». وقد علق أحد أعضاء هيئة كبار العلماء على هذه القصة المفبركة بأنها محض هراء وكذب وتفاهة ونهى عن تردادها

اليوم مضى على الثورة السورية قرابة 19 شهراً، أسفرت عن مقتل 38 ألفاً، واللاجئون بالملايين منذ روّج الداعية الشهير قصته الخرافية التي أراد أن يستحث بها الهمم من أجل مقصد نبيل كما فعل الشيخ الذي بدأنا بقصته. فهل هم يريدون أن يقولوا لنا إن لديهم منهجاً خفياً يقول إن الكذب حلال متى ما كان الهدف منه سامياً؟ كما قال بعض مروجي أحاديث نبوية كثيرة حين نهوا عن الكذب على رسول الله فقالوا: «إننا لا نكذب على الرسول بل نكذب له»، أم أنهم يريدون كما قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ناهياً: "أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟" 

وزارة الشؤون الإسلامية ليس من مهمتها فقط أن تنشئ المساجد وإدارتها والصرف عليها، بل عليها أن تنتبه إلى أن مثل هذه القصص لا تضر فقط بعقول الناس، بل وتجعل دينهم يختلط بالحكايات التي تبتعد عن جوهر الدين وتصبّ في الخرافات كما فعل أهل الأديان الأخرى









مواضيع مشابهة :

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

الدولي

الرياضة الجزائرية

الصحة والرشاقة

علوم و تكنولوجيا

المطبخ

أنت و طفلك

الولايات

رياضة عالمية

جميع الحقوق محفوظة ©2013